responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 46
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أَيْ قَضَى بِتَأْوِيلِهِ وَاجْتِهَادِهِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَفْسَهُ صَاحِبَ وَحْيٍ وَفِي هَذَا إبْطَالُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الثَّابِتُ بِالِاجْتِهَادِ تَفْسِيرًا وَقَطْعًا عَلَى حَقِّيَّتِهِ مُرَادًا، وَهَذَا بَاطِلٌ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَإِنَّ الظَّاهِرَ اسْمٌ لِكُلِّ كَلَامٍ ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ لِلسَّامِعِ بِصِيغَتِهِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِحْلَالِ وَأَمَّا النَّصُّ فَمَا ازْدَادَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُ السَّفِيرُ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ مُرَادَ اثْنَيْنِ وَسَافَرَ الرَّجُلُ انْكَشَفَ عَنْ الْبُنْيَانِ وَمِنْهُ السَّفَرُ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ عَنْ أَخْلَاقِ الْمَرْءِ وَأَحْوَالِهِ، فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ أَيْ التَّفْسِيرُ مَقْلُوبًا مِنْ التَّسْفِيرِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الْكَشْفُ وَالْإِظْهَارُ عَلَى وَجْهٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ كَجَبَذَ وَجَذَبَ وَطَسَمَ وَطَمَسَ إلَّا أَنَّهُ قِيلَ السَّفَرُ كَشْفُ الظَّاهِرِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْفَسْرُ كَشْفُ الْبَاطِنِ وَمِنْهُ التَّفْسِرَةُ لِلْقَارُورَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّهَا يَكْشِفُ عَنْ بَاطِنِ الْعَلِيلِ فَسُمِّيَ كَشْفُ الْمَعَانِي تَفْسِيرًا؛ لِأَنَّهُ كَشْفُ بَاطِنِ الْأَلْفَاظِ.
قَوْلُهُ (وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْسِيرَ هُوَ الْكَشْفُ بِلَا شُبْهَةٍ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَلْيَتَبَوَّأْ» أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَيْ فَقَدْ تَبَوَّأَ أَيْ اتَّخَذَ النَّارَ مَنْزِلًا، قُضِيَ بِتَأْوِيلِهِ الْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْحَاصِلِ بِالتَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ أَيْ حُكِمَ بِأَنْ مَا صَرَفْت اللَّفْظَ إلَيْهِ وَاجْتَهَدْت فِي اسْتِخْرَاجِهِ، وَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي هَذَا أَيْ الْحَدِيثِ إبْطَالُ قَوْلِهِمْ لِمَا ذُكِرَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ أَيْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ فِي الْخَطَإِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ غَيْرُهُ.

[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]
[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]
قَوْلُهُ (الظَّاهِرُ اسْمٌ لِكُلِّ) الْمُرَادُ مِنْ الظَّاهِرِ هُوَ الْمُصْطَلَحُ أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي يُسَمَّى ظَاهِرًا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، وَمِنْ قَوْلِهِ مَا ظَهَرَ الظُّهُورَ اللُّغَوِيَّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ إذْ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْمَعْنَى، وَقِيلَ هُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ أَوْ الْعُرْفِيِّ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا، وَقِيلَ هُوَ مَا لَا يَفْتَقِرُ فِي إفَادَتِهِ لِمَعْنَاهُ إلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَأَمَّا النَّصُّ فَكَذَا) اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ تَصَدَّى لِشَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْمُخْتَصَرِ ذَكَرُوا أَنَّ قَصْدَ الْمُتَكَلِّمِ إذَا اقْتَرَنَ بِالظَّاهِرِ صَارَ نَصًّا وَشَرْطٌ فِي الظَّاهِرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْنَاهُ مَقْصُودًا بِالسَّوْقِ أَصْلًا فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّصِّ، قَالُوا لَوْ قِيلَ رَأَيْت فُلَانًا حِينَ جَاءَنِي الْقَوْمُ ظَاهِرًا فِي مَجِيءِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالسَّوْقِ وَلَوْ قِيلَ ابْتِدَاءً جَاءَنِي الْقَوْمُ كَانَ نَصًّا فِي مَجِيءِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالسَّوْقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا سِيقَ لِمَقْصُودٍ كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ ظُهُورٍ وَجَلَاءٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَسُوقِ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ عِبَارَةُ النَّصِّ رَاجِحَةً عَلَى إشَارَتِهِ، قَالُوا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لَا فِي نَفْسِ الصِّيغَةِ وَبِقَوْلِهِ فَازْدَادَ وُضُوحًا عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنْ قُصِدَ بِهِ وَسِيقَ لَهُ.
قُلْت هَذَا الْكَلَامُ حَسَنٌ وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، فَإِنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الظَّاهِرُ مَا يُعْرَفُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] .
وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ، {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ ظَاهِرٌ يُوقَفُ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ بِسَمَاعِ الصِّيغَةِ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْضًا، وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ تَصَانِيفِ أَصْحَابِنَا

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 46
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست